في وقت تحقّق فيه مايكروسوفت أرباحًا قياسية، فاجأت الشركة الجميع بإعلانها عن تسريحات جديدة شملت أكثر من 9000 موظف. هذا الرقم ليس الأول هذا العام، بل يُعد الجولة الثالثة من خفض عدد العاملين، ليصل إجمالي المسرّحين إلى نحو 15000 موظف خلال 2025. المفارقة أن هذه القرارات تأتي في ظل وفورات ضخمة حققتها الشركة، يعود الفضل فيها إلى أدوات الذكاء الاصطناعي.
جودسون ألتوف، الرئيس التجاري لمايكروسوفت، أكد خلال عرض تقديمي أن الشركة تمكنت من توفير أكثر من 500 مليون دولار خلال العام الماضي فقط، وذلك في مركز الاتصال التابع لها، بفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي. هذا المبلغ الهائل يطرح تساؤلات جدّية حول تأثير هذه التكنولوجيا على مستقبل الوظائف البشرية.
رغم عدم التصريح بشكل مباشر بأن الذكاء الاصطناعي هو السبب وراء هذه التسريحات، إلا أن التوقيت وتكرار الحديث عن “تحسين الإنتاجية” و”خفض التكاليف” يعززان هذه الفرضية. الشركة، التي وصلت قيمتها السوقية مؤخرًا إلى 3.74 تريليون دولار، لا تبدو في وضع مالي صعب يفرض تقليصًا بهذا الحجم، بل العكس تمامًا.
الأمر زاد تعقيدًا بعد منشور مثير للجدل من أحد مسؤولي Xbox، الذي أشار إلى أن الموظفين المتأثرين بالتسريحات يمكنهم استخدام أدوات مثل ChatGPT وCopilot لمساعدتهم في “إدارة العبء المعرفي” الناتج عن فقدان الوظيفة. المنشور حُذف لاحقًا، لكنه أثار موجة استياء، واعتُبر محاولة لتجميل الواقع الصعب الذي يواجهه آلاف الموظفين.
في المقابل، تؤكد مايكروسوفت أنها مستمرة في الاستثمار بالذكاء الاصطناعي بشكل غير مسبوق. فقد أعلنت في بداية العام أنها ستضخ 80 مليار دولار في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي بحلول نهاية 2025، مما يرسّخ توجهها نحو أتمتة العمليات واعتماد الخوارزميات في قطاعات واسعة من أعمالها.
هذا الواقع الجديد يثير مخاوف متزايدة في أوساط الموظفين داخل القطاع التقني، حيث أصبح واضحًا أن الذكاء الاصطناعي لا يُستخدم فقط كمساعد إنتاجي، بل كبديل حقيقي لكثير من الوظائف التقليدية. بعض المحللين يرون أن مايكروسوفت وغيرها من الشركات الكبرى قد دخلت في مرحلة “إعادة هيكلة ذكية”، تستغني فيها عن الموارد البشرية غير المرتبطة مباشرة بالبحث والتطوير أو الذكاء الاصطناعي.
وفي الوقت الذي تتفاخر فيه الشركة بأرباح بلغت 26 مليار دولار وإيرادات 70 مليار دولار في الربع الأول فقط، يظل السؤال مطروحًا: هل يتحول الذكاء الاصطناعي من أداة تطور إلى وسيلة لاستبدال الإنسان؟ وإذا كانت الشركات قادرة على خفض التكاليف بهذه السرعة، فهل نحن أمام مستقبل يفقد فيه الملايين وظائفهم لصالح الخوارزميات؟
الواقع يفرض علينا التفكير مجددًا في التوازن بين التقدم التكنولوجي وحماية الإنسان، فالوفورات المالية لا تعني دائمًا تحسين الحياة للجميع، خصوصًا إن جاءت على حساب الاستقرار الوظيفي والكرامة المهنية.
إقرأ المزيد: جميع ألعاب Xbox والاستوديوهات التي تأثرت بتسريحات مايكروسوفت حتى الآن